Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

مشروع الوحدة الاسلامية بين شخصيتين معاصرتين
جاء الامام الخميني رضوان الله عليه، على رأس المائة الرابعة عشرة هجرية، مصلحا في شعبه وأمته، وقاد بنجاح وحكمة ثورة اسلامية عارمة، أطاحت بأعتى عروش العمالة والدكتاتورية والتبعية للغرب في إيران، بتاريخ (11/2/1979)، وأرست باختيار شعبي مشهود يومي 30 و31/3/1979، بنسبة حطمت كل التوقعات 99.2%، قيام نظام اسلامي، أثبت بمرور الزمن، أنه الصّرح الأمثل والقويّ الذي سيقدّم للامة الاسلامية، ما تحتاجه لبناء عزتها وسؤددها، وكانت قيادته الحكيمة لسفينة شعبه، قوم سلمان المحمدي مثيرة للإعجاب، لمن يفقه سياسة الاسلام، في معاملاته المتميزة بالبعد الاخلاقي الرفيع، بمؤشر الصّدق فيها، والثبات على المبادئ التي أعلنها منذ الأيام الأولى، للانتصار الالهي الباهر، الذي تحقق رغم أنوف امريكا والصهيونية وحلفائهم أعداء الاسلام.

ومنذ أن ظهر الامام الخميني كرجل اصلاح في الأمة، لم يكن عنوانه ولا خطابه ولا تعامله طائفيا، ولا كان فكره الذي عمل على نشره طوال حياته ذا أفق ضيق، منغلقا على تراثه الشيعي الإمامي الاثني عشري، بل تجاوزه الى البعد الاسلامي الشامل والأرحب، وقد أثبت من خلال مواقفه التي اعلنها، بخصوص قضايا الامة الاسلامية، انه لم يكن يوما من الايام طائفيا، بل كان يمقت كل نزعة تظهر في الامة بذلك العنوان، ويراها عامل قصور وتخلّف وأنانية، ومرضا يسوّقه عادة من له مصلحة في تشتيت الامة من أجل ابقائها ضعيفة، متاحة للهيمنة عليها، وبذلك بنى أسس نظام، عمل على احتضان كل ما هو اسلامي، بقطع النظر عن ميولاته أو انتماءاته المذهبية والطائفية، وهو ما أنتج واقعا جديدا في الأمة، تميّز بالثورية ونزعة المقاومة، وبروح الامل بغد واعد فيها.

وهذا هو الواقع في حياة وسيرة الامام الخميني رضوان الله عليه، وكل من عرفه عن قرب أيقن بأنه ذلك العالم الفقيه المجتهد والمجدد، الذي ظهر في وقت احتاجه فيه الشعب الايراني والامة الاسلامية، فكان زمن اشعاعه وانتشار فكره، أكبر من أن يحتويه اعداؤه ببهتانهم وأضاليلهم، فتبنّاه المؤمنون الصادقون مع الله، وساروا على نهجه، وبايعوه بقلوب مطمئنة،  من ايران، وأفغانستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، واليمن، وسوريا، ومصر، وشمال افريقيا، ولم يخلو مكان في هذا العالم من هؤلاء الخلّص، الا وكانت عقولهم وأفئدتهم متعلقة به.

وقد تميزت السنوات العشر التي قاد فيها الامام الخميني رضوان الله عليه نظام ولايته، بتكالب الاعداء عليهما، بعدما عرفوا ما يحمله للامة من علاجات اسقامها، ودفع همومها وغمومها بمرضيّ حلوله الاصلاحية، فدعا أولا الى نبذ الاختلاف والفرقة بين المسلمين، بدأ بتوجيههم الى أولوية الوحدة بينهم، على أساس أنها مطلب قرآني ومسعى نبويّ، يجب أن يتصدّر أولويات مشاريع العمل الاسلامي، وكانت مؤتمرات أئمة الجمعة والجماعة، المقامة بطهران في كل سنة، تزامنا مع تاريخي ولادة نبي الرحمة ابي القاسم محمد 12 و17 ربيع الاول، والذي سمّاه أسبوع الوحدة الاسلامية، كبادرة جادة لتقريب وجهات النظر بين أئمة المسلمين، تمهيدا لتفعيل آليات السير نحو تحقيق ذلك المطلب المصيري والهام.

ثم ثنّاه بان جعل من شعيرة الحج منبرا للوحدة اسلامية وفرصة سنوية متاحة للدعوة اليها من خلال ابنائه من الشعب الايراني ووفدهم العلمائي الذين لم يدخروا جهدا في تبليغ ذلك لبقية المسلمين وبيان ما تكتسيه الوحدة من أهمية، وقد تعوّد الايرانيون منذ حج سنة 1401 هجرية 1981م، على تنظيم المسيرات والندوات التحسيسية للحجاج، فيعلنون البراءة من أعداء الامة امريكا اسرائيل، واستمر الامر على تلك الحال 6 سنين، فلم تتحمل أمريكا ذلك، واعتبرته كارثة ستعود عليها وعلى لقيطتها اسرائيل بالوبال، فأصدرت أوامرها بايقاف مشروع التوعية والتحسيس الذي دعا اليه الامام الخميني الأمة قاطبة بأي أسلوب، واستجابة لذلك لم يتردد النظام السعودي، في اقراف جريمة قمع المسيرة بكل وحشية، قتل أكثر من 450 حاجا  في موسم سنة 1407 هجرية 1987 م

لقد مد الامام الخميني يده، وفتح حضنه للامة الاسلامية بكل أطيافها، وأثارت دعوته الصادقة، اهتمام كبار علماء إخواننا من أهل السنة، كالشيخ سعيد شعبان (مؤسس جماعة التوحيد الاسلامي) (لبنان)، والشيخ ماهر حمود (الامين العام لمؤتمر علماء المقاومة) (لبنان)، وغيرهم، وتجلى تأثير فكر الامام الخميني في تأسيس حركات المقاومة الاسلامية الفلسطينية، بظهور حركة الجهاد الاسلامي على يدي الشهيد فتحي الشقاقي في 1/11/1981، وحركة حماس على يدي الشيخ الشهيد (أحمد ياسين) رضوان الله عليه في 14/12/1987 ذلك الرجل الفذّ، الذي أقسم خلال زيارته الى ايران في 1/5/1998، على مواصلة طريق الامام الخميني في الثورة والمقاومة.

عديدة هي الكلمات والخطب والتي تحدث فيها الامام الخميني عن أكبر مشاريعه الاسلامية وهي الوحدة بين المسلمين، ونظرا لضيق المجال نقتصر على ما نقل عنه في صحيفة الامام: (إن الأخوة الاسلامية التي تجسّد التّعبير الحقيقي للوحدة، تعدّ من مستلزمات تحقق شوكة الاسلام وبقاءه واستمراره، فبالأخوة والوحدة يتمّ تذليل مشاكل المسلمين، وحينها ليس بوسع أيّة قوّة مواجهتهم والتحرش ببلدانهم.. في الحقيقة إنّ الوحدة تمثل العلاج الرئيسي لآلام المجتمعات الاسلامية، إنني آمل أن تتحقق بين الدول الاسلامية الأخوّة الاسلامية، حسبما أمر القرآن بذلك، فإذا ما تحققت مثل هذه الأخوّة بين البلدان الإسلامية، ستتشكل قوة عظمى، ليس بوسع أيّة قوة في العالم مواجهتها.) (صحيفة الامام ج 8ص 88)

وبعد رحيل الامام الخميني رضوان الله عليه، استلم القيادة السيد علي الخامنئي بإجماع مجلس خبراء القيادة، ليواصل نفس النهج بلا ادنى تغيير، ملتفتا لكل صغيرة كبيرة محذرا من طوابير الفتنة واثارة النعرات التي تسهر عليها وتمولها المخابرات الامريكية والبريطانية، وكما نبّه الامام الخميني على خطورة الاسلام الامريكي الذي تدفع اليه أمريكا، وعمل على فضح اهدافه، حذّر سماحة القائد الخامنئي من مغبة التساهل مع التشيّع اللندني، وأعلن مواجهته بإصدار فتواه الشهيرة، التي حسم فيها مسألة الجرأة على الرموز الدينية للامة : ( يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلا عن اتهام زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يخل بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصا سيّدهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.) 1434 هجرية  وكان قد اصدر سنة 2006 فتوى أخرى في نفس السياق نصها: ( إن أي قول أو فعل أو سلوك يعطي الحجة والذريعة للأعداء أو يؤدّي الى الفرقة والانقسام بين المسلمين هو بالقطع حرام شرعا.)

وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد رحّب بالفتوى، واعتبرها خطوة مهمة نحو التقريب بين السنة والشيعة، كما أشاد المجلس الإسلامي الأعلي الجزائري، اليوم الاثنين 25 جوان (حزيران)، بالفتوي الأخيرة التي أصدرها قائد الثورة الاسلامية.

وفي لقاء الامام الخامنئي، مع المشرفين على مؤتمر تكريم السيدة خديجة عليها السلام قال: (يجب ألا يسمح بانتهاك حرمة زوجات النبي الطاهرات .. أن زوجات النبي محترمات، وكل من يهين إحداهن، فقد أهان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أقولها وبشكل قاطع.) وأوضح (أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تعامل مع زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، السيدة عائشة على ذاك النحو، تصرّف بهذا القدر من الاحترام، مع امرأة جاءت لتحاربه، لأنها كانت زوجة للنبي (ص)، وإلا فإن أمير المؤمنين لا يراعي أحداً دون سبب، لذلك فإنه يجب ألا يكون هناك أي انتهاك.)( كلمة الامام الخامنئي بالمناسبة 10/6/2016)

ودفعا منه لربئ الصدع بين الطوائف الاسلامية، وتذليل عقبات الاختلاف، أذن سماحته بإنشاء مجمع عالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية سنة 1990، أداره على التوالي 3 أمناء عامون هم (الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني) ثم (الشيخ محمد علي التسخيري) ثم (الشيخ محسن الأراكي) وللمجمع خدمات فكرية جليلة، ومساع علمائية حميدة، من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف مدارس الفقه الاسلامية، من شأنها أن تصحح ما كان مبنيا على خطأ، في سوء تقدير الاختلاف الحاصل بينها، بما يمهّد أرضية بناء الوحدة، وتجديد رابطة الاخوة بين المسلمين.

وفيما اثبت هاذان المصلحان سلامة جهودهما، فيما يتعلق بواجب من أوكد الواجبات الاسلامية، الملقاة على عاتق علماء الامة، وهو العمل على بناء وحدة اسلامية، تعيد للامة عافيتها، وتسترجع مكانتها، وتحفظ حقوقها وأمنها، انبرى من يشكك في تلك الجهود المباركة، ويعرقل مسيرتها، ويعطي الانطباع السيء عنها، قد أوقفهم اعداء الاسلام عناصر فساد وافساد، على أمل اجهاض مولود الوحدة واسقاطه، لكن هيهات أن يطفأ نور الله.

 

 

 

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :